نهر النيل جسر الأخوة والتواصل

نهر النيل جسر الأخوة والتواصل

لا شك أن هناك أمورا كثيرة تلعب دورا بارزا في ربط الشعوب والأمم وتخلق جو الإخاء بينها بغض النظر عن لغاتها وعاداتها وتقاليدها وثقافاتها بل أحيانا تكون وسيلة هامة في في توحيد ثقافاتها وتقاليدها.

وتتوحد الشعوب إما نتيجة للتقارب الجغرافي أو من خلال الروابط التجارية القائمة منذ التاريخ أو من خلال التشابه اللغوي أي عندما تكون من أسرة واحدة وغيرها.

ويعتبر نهر النيل أو نهر أباي (كما يسميه الأثيوبيون) من الوسائل الهامة التي تلعب دورا بارزا في ربط شعوب القرن الأفريقي بشمال  القارة بل في توحيد القارة الافريقية جمعاء ذلك لأنه أطول نهر تملكه إفريقيا وتفخر به أمام العالم بصفته أطول نهر في العالم مما يعني أنه يمر قاطعا الدول الإفريقية العدة كهمزة وصل بينها متعارفا على عادات وتقاليد ولغات إفريقية عدة .

يبلغ طول نهر النيل إلى حوالي 6650 كم ويغطي تسع الدول الإفريقية بمياهه العزب الصالح للشرب وهو ما دعا دول حوض النيل  إلى الجلوس على طاولة المفاوضات من أجل تقاسم هذه المياه بالعدل والإنصاف وان كانت تلك الإتفاقيات ظالمة للبعض وانتصارات للبعض الأخرى . إن بلادنا أثيوبيا مثلا كانت مظلومة ولا تزال ولم تستفيد من مياهها مع أن النسبة الكبيرة من مياه النيل تأتي من أثيوبيا ومع ذلك لم تستفيد منه إلا 3 % فقط الأمر الذي دفع بها إلى معارضة تلك الإتفاقيات بشدة وجعلتها تلك الإتفاقيات أن تفكر بابتكار طريقة خلاص من الظلم الذي عاشته سنين.

أما المصريون والسودانيون كانوا من المستفيدين من مياه النيل بنسبة كبيرة مقارنة مع أثيوبيا وخصوصا المصريون بل إلى  درجة يسمون بلادهم بهبة النيل وحتى عندما يتحدثون عن أنفسهم يفضلون أن  يعرفوا أنفسهم بالنيل. لدي موقف طريف من المناسب أن أذكره في هذا المقام لما كنت أدرس في ليبيا خرجت من كلية الدعوة الإسلامية للتسوق في وسط المدينة وصادفني داخل التاكسي سوداني والأخر مصري وبعد أن ذهبنا مسافة معينة ومن عادة الليبين أن يتعارفوا فسألنا السائق الليبي قائلا من أين أنتم فقال السوداني أنا سوداني وقال المصري بدوره أنا من النيل فاستغربت كثيرا من الجواب المصري وبدأت أفكر طويلا في الجواب الذي ينبغي أن أقوله والسائق في انتظاري طبعا ولما تأخرت عليه من الجواب قال لي الأخ وأنت من أين فقلت له أنا من أم النيل عندها التفت المصري إلي التفاتا وقال السائق الليبي مبتسما فأنت أثيوبي إذن فقلت له نعم .

حقيقة مياه النيل كثيرة تكفي للجميع وتكفي للشعوب الإفريقية كلها فقط لا يحتاج الأمر إلا القناعة الداخلية وتقاسم المياه بالعدالة هذا ما يؤكده الخبراء من حين لأخر يقولون بامكان الاستفادة من مياه النيل دون أن تختلف دول حوض النيل بمياهها ويمكن لكل واحد منها أن تنمي بلادها دون أن تضع شروطا الاستعمال أو دون أن تكون قيود في ذلك.

وللإثيوبيين ارتباط وثيق بالنيل يسمون أبناءهم بنهر النيل ويتغنون به ويعبرون عن حبهم به ويحلفون به كما أن الشوارع والمقاهي والمدارس والجامعات والمصانع والشركات تسمي نفسها به كل هذا ليس إلا تقديرا وتقديسا له .

نستطيع القول أن الأثيوبييين والسودانيين والمصريين صاروا شعوبا واحدة ومتقاربين فيما بينهم ومتحابيين بسبب النيل. أنا مثلا عندما أقابل سودانيا أو مصريا خارج أثيوبيا أشعر فكأني قابلت أثيوبيا لأننا نشرب من نهر واحد مما يعني أننا أسرة واحدة . له معنى ومغزى. إن الطبيعة التي خلقها الله هي التي جعلتنا نشترك في النهر الواحد وبسبب هذا النهر صرنا إخوة أكثر من الأفارقة الأخرين ولهذا نقول بكل ثقة وفخر أن النيل جسر الأخوة والتواصل بين أبناء دول حوض النيل خصوصا وبين أبناء أفريقيا عامة .

ونتيجة لهذا التقارب بين السودانيين والإثيوبيين والمصريين تجد أحيانا نفس الإعتقادات والخرافات تحكى عن النيل وهي حكايات جأتنا جيلا عن جيل . وقد تكون هذه الممارسات والخرافات أحيانا لا تتماشى مع الفطرة السليمة والأديان السماوية .

وعلى سبيل المثال كان هناك بعض الأثيوبيين يقدمون قربانا وهدايا للنيل اعتقادا منهم بأن قيامهم بهذه الممارسة يكون لهم سدا مانعا أمام فيضاناته التي تعرضهم للخطر . وتختلف هذه القرابين من منطقة إلى منطقة أخرى ونفس هذه العادة موجودة تمارس حتى عند المصريين كذلك .

فمثلا كان المصرييون القدامى يقدمون الحياة البشرية قربانا للنيل خوفا من أن ينقطع جريانه حيث إن بنتا جميلة كانت تقدم له سنويا إلى أن جاء عمرو ابن العاص رضي الله عنه ومنعهم عن القيام بمثل هذه العادة التي تودي بحياة البشر. والقصة كالأتي بينما كان المصرييون يقدمون احدى بناتهم الجميلة قربانا للنيل سنويا جاء عمرو ابن العاص ولما رأى هذه العادة السيئة متأصلة فيهم تردد في بداية الأمر من المنع لكنه قرر منعهم نظرا لأنها متعارضة تماما مع الدين الاسلامي الحنيف وأبطلها ولكنه أراد أن يستشير في موقفه هذا عمر ابن الخطاب رضي الله عنه . وكتب عمرو ابن العاص خطابا إلى عمر ابن الخطاب فرد إليه عمر ابن الخطاب رضي الله عنه بخطاب فأمرعمرو ابن العاص أن يلقيه في نهر النيل. وفتح عمرو ابن العاص الخطاب الذي أرسله عمر ابن الخطاب رضي  الله عنه ليقرأه قبل أن يلقيه على نهر النيل فإذا بالخطاب يقول الأتي " من عبد الله عمر ابن الخطاب إلى نهر النيل أما بعد فإن كنت تجري بأمرك فلا حاجة لنا بجريك وإن كنت تجري بأمر الله فاجر بما أمرك الله وحيث أراد الله " فعندما ألقى عمرو ابن العاص هذا الخطاب فجرى النيل كما لم يجر من قبل إلى يومنا هذا .

هذا هو معنى تشابه العادات حيث لما جاء هذا التشابه لولا النيل الذي ربطنا ربطا لا يمكننا أن ننفصل صرنا إخوة رضينا أم  أبينا سنظل مرتبطين  إلى  أن تقوم الساعة وليس لنا خيار أفضل من الأخوة والتعاون راضين بما قدره الله لنا من الأزل أي بمعنىى أخر ويجب أن يكون  نهر النيل مصدر االثقة ووالإخاء والمودة بيننا لا مصدر قلق وحرب وعدم استقرار طالما هو نعمة من  نعامه العظيمة  التي لا  تنضب والتي أوجدها لخلقه وعباده بصرف النظر عن معتقداته ولغاته وعاداته ونظرياته.

يعتبر بناء سد النهضة من أكبر المشروعات التي بدأتها أثيوبيا في تاريخها بل هو الأول من نوعه في العالم ويتميز عن غيره من المشروعات بأنه وطني خالص ويبنى بأموال المواطنين ويساهم فيه الغني والفقير ومتوسيط الدخل رجالا ونساء أطفالا وشبابا وشيوخا كل يشارك بما لديه وبما يقدر. ولم يتوقف بناؤه للحظة منذ أن بدأ في شهر مجابيت عام 2003 حسب التقويم الأثيوبي .

ولرئيس الوزراء الراحل ملس زيناوي فضل كبير في هذا المشروع وهو صاحب المبادرة والفكرة وهو من شجع المواطنين إلى المساهمة وهو من لعب دورا ديبلوماسيا هائلا حتى أقنع الدول المعنية وغير المعنية حول النيل  . ولديه تصريحات بطولية وتاريخية بهذا الخصوص وعلى سبيل المثال لا الحصر قال في احدى المناسبات يجب على المصريين أن يساهموا ب 30 % والسودانيين ب 20 % لبناء سد النهضة لأنه في مصلحة الجميع مؤكدا أنه وفي حالة اكتمال المشروع يعود السد بالنفعين بالنسبة إلى السودان والمصر أولا يمكنهم الاستفادة من القوة الكهربائية التي ستتنتجها أثيوبيا كما يمكنهم المشاركة في المشروعات الانمائية الزراعية ثانيا أنهما لن ينضررا بعد هذا بالفيضانات التي كانت تهددهما من قبل سنويا.

كل شيء يتوقف حسب التحليلات والنظريات للشخص إذا رأها إيجابية فإيجابية إذا رأها سلبية فسلبية ولهذا ينبغي أن نكون إيجابيين وعلينا أن نحلل الأمور تحليلات ايجابية بحيث تعود المصالح للجميع وتكون الفوائد للكل.

يقول كبير المهندسين لمشروع سد النهضة المهندس سمننيو: بفضل السد ستكون أثيوبيا قادرة بانتاج قوة كهربائية هائلة غير  متصورة من خلالها يمكن ربط القارة الافريقية الشرقية بشمالها وجنوبها كما يمكننا أن نربط القارة الأفريقية بأوروبا حيث يمكننا أن نوصل الكهرباء إلى أندلوس من خلال شمال أفريقيا . ما أكبر هذا المشروع وما أحلاه .

واضافة إلى ذلك فإن لسد النهضة دورا هاما في خلق جو سياحي عظيم في المنطقة ذلك لأن مياه نهر النيل بعد اكتمال المشروع سترجع إلى الوراء ب 246 كم تقريبا مما يعني أن بحيرة كبيرة تقدر بضعفي بحيرة طانا ستخلق وأن الأماكن المحيطة بها ستتحول إلى أماكن خضراء خلابة تسر الناظرين وعندها سيبنى مطار دولي عالمي يكون مفتوحا أمام الزائرين انشاء الله وأن الاجراءات ستكون أمام كل من يريد أن يزور منطقة سد النهضة .

وكما أسلفت يجب أن يكون النيل مصدر الأخوة والتفاهم والتقارب لا مصدر العداء والكراهية بين شعوب أصلا صارت واحدة بسبب هذا النهر العظيم كلنا أبناء النيل . وعلى الكتاب والفنانين والمثقفين والمسؤلين المصريين أن يدخلوا هذه الأخوة والصداقة النيلية في اعتباراتهم قبل أن بعبروا أن مخاوفهم وقلقهم وشكوكهم تجاه سد النهضة الذي بدأته أثيوبيا من أجل مصلحة الجميع لا لمصلحتها فقط. فالنضع نصبة أعيننا دائما أننا كلنا أبناء النيل وكلنا نتغنى به نشرب من مائه ونأكل مما نزرع به ونتفسح بمناظره ونستمتع بهيبته ونفخر بتاريخه.

 

 

وكالة الأنباء الأثيوبية
2023